ولاية غرداية من بين الولايات الوطن الحديثة التي أنشئت طبقا للتنظيم الإقليمي لعام 1984 وتمتد هذه الولاية على مساحة 86.649 كيلو متر مربع يحدها من الشمال ولاية الأغواط التي كانت جزءا منها سابقا وجنوبا تمنغاست وفي الجنوب الغربي ولاية أدرار ومن الشمال الغربي ولاية البيض الجديدة ومن الشرق ولاية ورقلة.
ويقطن هذه الولاية حوالي 200 ألف نسمة موزعين على 13 بلدية وهي: غرداية ، متليلي ، المنيعة ، بريان ، القرارة ، العطف ، بنورة، الضاية ، زلفانة ، سبسب ، حاسي الفحل ، المنصورة الجديدة ، وحاسي القارة .
توجد عاصمة الولاية في موقع جغرافي استراتيجي ونوجد في ناحية تسمى جغرافيا بشبكة مزاب والعبارة شبكة تعبر أبلغ تعبير عن قسوة المكان وشبكة من حجارة تحرقها في الصيف شمس ملتهبة وتهب عليها في الشتاء رياح ثلجية آتية من الهضاب العليا .فشبكة مزاب هي هضاب صخرية تتخللها شعاب بينها فيها أودية وتمر عند فيضانها بسهول ضيقة المساحة.
ان شكل هذه المنطقة جغرافيا يكون وحدة عجيبة ومتكاملة من حيث المظهر الطبيعي تجعل من الشبكة منطقة جغرافية طبيعية متميزة ويزيد من هذا المظهر التكوين العمراني الجميل لقراها تلك القرى التي أصبحت اليوم بحكم النمو الديمغرافي المتزايد تشكل وحدة متراصة لا يفصل بينها مسافة خالية من العمران . فبعد أن كانت غرداية في زمن مضى مركزا للقوافل فقط أصبحت شيئا
فشيئا مركزا حضاريا هاما في الصحراء الجزائرية وهي اليوم تشتهر بسمعة عالية على المستوى الوطني لكونها مفترق طرق تجاري في الصحراء الكبرى ومركزا صناعيا ذا شهرة وطنية وملتقى سياحي خلابا وهي متميزة كذلك بمطارها الدولي العامر مما جعلها بلدا مفضلا للإقامة لكثير من المواطنين الجزائريين وهي زيادة على ذلك مهبط جميع السواح من مختلف أنحاء العالم.
- أصل السكان:
ان موضوع معرفة التاريخ الحقيقي المحدد لقدوم العائلات الموجودة حاليا في ولاية غردية يصطدم بأكثر من عقبة فمن ناحية أولى هناك نقص كبير في المؤلفات التاريخية التي تناولت العائلات القادمة الى هذه المنطقة وزمن قدومها وضمن أية ظروف تمت وهذا النقص لم تستطع تجاوزه المحاولات الفردية لبعض المهتمين في محاولة الكتابة عن تاريخ قدوم العائلات،ومن ناحية أخرى فهناك في ولاية غرداية نوع من التراث الشعبي النقول شفويا والمتعارف عليه في رواية أصل العائلات الساكنة في ربوع هذه الولاية ولكن الروايات تختلف نوعا ما ولكنها تتفق على أن السكان في هذه الولاية هم من العرب و البربر انتزجت دمؤهم مع مرور الزمن حتى أنه لا يمكن حاليا نسبة جماعة الى عرق محدد.
فالسكان الأصليون الدين قطنوا في ربوع الولاية غرداية قد قدموا من مختلف أنحاء الوطن الجزائري ومن مختلف أنحاء المغرب العربي الكبير كذلك.
ان السبب في تعمير شبكة مزاب أن قوما أتوا من تيهرت بعد سقوط الدولة الرستمية وبعد مكوثهم مدة من الزمن في وارجلان وسدراته استقر رأيهم أخيرا على الإقامة في هذا المكان المنعزل لاعتقادهم أن غيرهم لا يرغب فيه كثيرا فأحاطوا مدنهم بالحصون واحتموا بها من كل مهاجمة ومع مرور الزمن قدمت عائلات مختلفة من مختلف ربوع الجزائر والمغرب العربي الكبير فاستقرت في المنطقة وتكونت رابطة بين مختلف تلك العائلات وبحكم انعزال السكان في هذه المنطقة البعيدة عن مراكز الحضارة تكونت لديهم شخصية متميزة تتمثل في المحافظة على حياتهم المدنية ان هذه العائلات عند اجتماعها كونت ما يسمى بالجماعة الاباضية أما الجماعات الأخرى الساكنة في الولاية و المنتمية الى المذهب المالكي فهم المذابيح وهم سكان غرداية وكان لجدهم علاقات حميمة بشيخ الاباضية آنذاك والمسمى باباوالجمة.
وفي غرداية توجد جماعة أخرى من السكان يسمون بني مرزوق كانوا في العطف المدينة الأولى التي تاسست في مزاب ثم انتقلوا إلى غرداية فسكنوها وان منازلهم توجد في وسط لمدينة العتيقة بجوار منازل الاباضية .
وتوجد جماعة أخرى في ولاية غرداية يسمون الشعامبة قدموا من القطاع الوهراني ومن مختلف أنحاء الصحراء الجزائرية وعاشوا حياة بدوية ثم استقر معظمهم في قصر متليلي وفي القرن السابع عشر الميلادي كثر عددهم فرحل قسم منهم لتأسيس مدينة المنيعة فسموا بشعامبة موادحي أما هؤلاء الذين بقوا في متليلي فقد سموا بشعامبة برزقة.
وفي بريان يسكن اضافة الى الجماعة الاباضية أولاد يحيى وهم من السكان القدامى في المدينة وكانوا قبل ذلك في العطف فحلوا منها في وادي النساء ثم استقدمهم آل بريان وفسحوا لهم المدينة ومنهم كذلك آل دبابة وكانوا بني يزقن ثم انتقلوا الى بريان في الأزمة الأخيرة فسكنوها.
وفي مدينة القرارة يسكن إضافة الى الجماعة الاباضية أيضا أولاد الشرفة ومغازي وهم من المهاجرين القدماء إلى القرارة وهناك عائلات أخرى حلت في بعض مدن ولاية غرداية منذ قرن أو اقل وتعاملوا مع السكان ثم استحسنوا المكان فاستقروا فيه.
وباختصار فان المؤرخين قد أثبتو أن السكان في ولاية غرداية يكونون تجمعا من مختلف أنحاء الوطن الجزائري فكأن الأوائل يجدون الهناء والألفة أينما حلوا وارتحلوا ولا يرون بقعة من الجزائر ليست وطنهم .
- البنية العائلية للمجتمع :
ان نطاق العائلة ضيقا وسعة يختلف باختلاف المجتمعات والعصور فأحيانا يتسع حتى يشمل الجدود والأحفاد وأحيانا يضيق كل الضيق حتى لايتجاوز نطاق الأب والأم وأولادهما الصغار وهذا يدل على أن العائلة نظام اجتماعي تصطلح عليه الجماعات وليس نظاما طبيعيا لايقبل التعديل.
ومن ناحية أخرى فان وظائف العائلة تختلف باختلاف الهيئات والمجتمعات والعصور فهي قد تشمل كل الوظائف الاجتماعية من الاقتصادية وتشريعية وقضائية وسياسية وامنية كما هو الحال في الأسرة قديما وقد تضيق هذه الوظائف كما هو الحال في الأسرة الحديثة بعد أن انتزعت منها الدولة معظم سلطاتها القديمة.
- التقاليد والعادات:
إن التقاليد و العادات ببلاد مزاب تختلف عن غيرها من البلاد ، فلكلٍّ صبغة ووجهة و هدف ، إنها في وادي مزاب مطبوعة بطابعالدين الخالص ، بحيث لا يتسرب إليها تدجيل أو حذلقة أو تصوف مقيت أو جمود أو تزمّت عائق عن العادة النفسية ، و العمل لحياة مشرفة نظيفة بلا وقوف على ركن الرجعيات البالية و هجنة التقاليد المشوبة بالشعوذة ، و الإستسلام للتوكل الأجوف و العبادة الجافة البعيدة عن معاني الروح"
( حمو عيسى النوري ).
تقاليد المزابيين تتميز بالإعتدال ، فلاهي متشددة جامدة ، و لاهي فاسدة متأثرة بالغربيين.
نعرض لكم هنا بعض تقاليد و مناسبات المزابيين
- الأعراس:
تقام الأعراس في دار عشيرة الزوج , و تتسم أعراس المزابيين , بأنها خالية تماما من الاختلاط بين النساء و الرجال , و أنها خالية من الانزلاقات الشرعية , الذي تتصف به الكثير من الأعراس في العالم الإسلامي للأسف , كما أن أعراس المزابيين تكون جماعية دائما , و هذا لرفع الحرج عن الفقراء من العرسان في تحمل مشقة نفقات العرس .
- عيد الزيارة ، يَدَّر ، أو الربيع الأمازيغي :
عيد الزيارة هو عيد يستقبل فيه المزابيون فصل الربيع الجميل , و يشكرون فيه الله على نعمته طول الشتاء. يخرج فيه المزابيون مع العزابة في الصباح الباكر و يطوفون حول المدينة تالين لدعاء معلوم و هو : " بسم الله يا الله يا رحمن ، يا رحيم يا الله و ارحمنا " , و داعين الله أن يحفظ مدينتهم من كل شر ، يزور المزابيون أثناء هذه الجولة الأماكن التاريخية للمدينة ، و يرافقهم عالم أو شيخ عارف ، حيث يقدم لهم شرحا وافيا حول تاريخ تلك الأماكن ، كما يقومون بزيارة مقابر المدينة ، العتيقة منها و الجديدة ، و يترحمون على الأموات . هناك بعض الإستثناءات ، حيث تقام في بعض المدن المزابية نشاطات ثقافية متنوعة بالمناسبة ، يقدمها أعضاء الكشافة و مشاركون آخرون . يكون غداء يوم الزيارة عادة غداء عائليا في بساتين المدينة . تعتبر هذه هي الطريقة التي يحتفل المزابيون بها بالربيع الأمازيغي
- الزرابي التقليدية :
تنسج المزابيات نوعا جميلا من الزرابي ، و هو قديم ، كانت قديما تُنسج من وبر الجمال ، أو صوف الغنم ، ثم اقتصر نسجها على الصوف ، و تنسج الزرابي المزابية على المنسج التقليدي المزابي ، و تتعلم البنات النسج عليه في سن مبكرة . يغلب على الزرابي المزابية اللون الأحمر القاني المائل إلى البني و ترسم فوقه أشكال و رموز أمازيغية ذات أبعاد تاريخية و ثقافية و تراثية مختلفة ، وهذا هو النوع السائد بمْزاب . تقام لهذه الزربية في مزاب ، أعياد و مهرجانات خاصة ، إلى اليوم ، أشهرها : مهرجان الربيع للزربية المزابية بتغردايت ، و يقام كل عام بسوق المدينة.
اللباس التقليدي القومي المزابي :
إن أهم ما جعل الشعب المزابي الأصيل يظهر أمام باقي الشعوب هو تلك المجموعة من المميزات التي لا يمتلكها سواه , و منها بضع الخصائص الرئيسية التي ما فتئ المزابيون يدافعون عنها بكل ما أوتوا من قوة ضد تيارات الغرب المفسدة , و من مظاهر تمسك المزابيين بأصالتهم , لباسهم التقليدي , و الذي يواظب المزابيون على ارتدائه إلى يومنا هذا سواء في المناسبات أو غيرها , و عادة ما يعتبر من لم يلتزم بهذا اللباس في مزاب غريبا و شاذّا عن المزابيين و لو كان مزابيا .
و هذا الإلتزام إن دل على شيء , فإنما يدل على الروح المزابية الإسلامية الأصيلة , التي تأبى إلا المحافظة على الأصالة العريقة , و الوحدة و الأخوة التي يلتزم بها المزابيون , إذ أن ارتداء جميع المزابيين لباسا واحدا , بحيث لا يتميز غنيهم عن فقيرهم , يدل على روح الوحدة و الأخوة , و أنهم طبقوا حقا قول الله تعالى : " و اعتصموا بحبل الله جميعا و لاتفرقوا " , و يدل على أنهم رفضوا تماما التيارات الغربية المنضوية تحت اسم : ( العولمة ) , التي فسخت الشباب الإسلامي تماما إناثا و ذكورا للأسف الشديد .
يتكون اللباس المزابي التقليدي من سروال مترابط غير مفصل على الرجلين و هو منتشر في بوادي مصر و الشام , و طاقية بيضاء تطبيقا لسنة الرسول (ص) في تغطية الرأس ، و هناك كذلك القميص المزابي المعروف بـ : تاجربيت ، و قد تقلص استعماله إلى المناسبات .
يكون سروال أبيضا في المناسبات و الأعياد و أوقات الصلاة و الإجتماعات , أما في وقت العمل , فيرتدي المزابيون سروالا ملونا حفاظا على النظافة , و لا ينزعون الطاقية .
في أوقات الصلاة يرتدي المزابيون اللباس السابق ذكره , و يرتدون فوقه جبة بيضاء تعبر مرة أخرى على اتحاد المزابيين , و لايدخل مزابي المسجد عادة دون جبة بيضاء .
أما النساء , فهن يرتدين جميعا لباسا موحدا , عبارة عن قطعة قماش كبيرة تلفها المرأة حول جسمها كله , بحيث لايظهر منها شيء , و لا تترك إلا فتحة صغيرة حول العين لترى بها ، في صورة مميزة لتطبيق التعاليم الإسلامية .
لعل البعض يظن أن فرض اللباس الشرعي المحتشم على النساء جمود و جفاف ديني من المزابيين , إنما هو اتباع لتعاليم الدين الحنيف بحذافيره , دون أي مزايدة , كما أمر ربنا عز و جل .
لماذا الأبيض ؟ :
يرتدي المزابيون الأبيض لأنه هو الذي حبّب إليه الرسول (ص) في قوله : " عليكم بالبياض , ألبسوه أحياءكم , وكفنوا به أمواتكم " .
كما أن الأبيض جميل من أصله, لأنه لونه التفاؤل و الخير لدى كثير من المجتمعات , و الله يأمرنا بالزينة في المسجد في محكم آياته , إذ يقول : " خذوا زينتكم عند كل مسجد " , و لا يخفى على أحد أن الزينة تكون باللباس الأبيض الجميل , ثم أن اللون الأبيض سريع التأثر بالألوان , فإذا ما أصابته نجاسة سهلت رؤيتها و التعرف عليها .
- الفن المعماري المزابي:
يعتبر الفن المعماري المزابي من أهم المظاهر الحضارية لهذه المنطقة ، و هو جزء لا يتجزأ من الفن المعماري الأمازيغي الإسلامي عامة ، نظرا لأنه يشترك في عدة خصائص مع المعمار الشمال-إفريقي و الإسلامي .
و إن ما جذب العيون و العقول لعدة عقود لدراسة خصائص " ظاهرة مْزاب " ، هو ذاك التأثير الواضح للتعاليم الإسلامية و الإجتماعية على هذا الفن بمْزاب .
إن وفاء المزابيين لتعاليم الدين و القرآن الكريم ، قد امتد حتى إلى عمارتهم ، فظهرت تأثيراتها في مساكنهم و قصورهم ، في صورة رائعة للإستغلال الأمثل للطبيعة ، دون تبذير ، إذ تستعمل كل مادة لغرض معين مع الإحتفاظ بالشكل الجمالي .
نقدم لكم هنا عرضا موجزا لأهم خصائص المعمار المـِـزابي التقليدي ، مع الإشارة أن هذا النسق قد تغير إلى حد بعيد في المساكن المزابية الحديثة ( منذ ستينات القرن العشرين تقريبا ) ، مع الحفاظ على المكونات الرئيسية للمسكن المِزابي .
1- المدينة : إن المدينة المزابية قد خضعت في تخطيطها إلى قواعد المدينة الإسلامية و الشمال-إفريقية عموما ، باعتبار المزابيين من أعرق شعوب الشمال الإفريقي .
أول ما يهتم به المِـزابيون ، كان الموقع ، إذ كانوا يختارون لها موقعا مراعين في ذلك قدرة المدينة على الدفاع ضد المغيرين ، و وقايتها من فيضانات الأودية ، و الحفاظ على الأراضي الزراعية ذات التربة الطيبة .
و إن أول ما يشد انتباه الملاحظ للمدن المزابية الحديثة ( إبتداءا من تجنينت و انتهاءا بتيـﭭْـرار ) ، توضّعها على روابٍ ( هضبات ) ، و هذا لا ينطبق على المدن المزابية القديمة .
و يرجع سبب ذلك للظروف الأمنية الصعبة التي عاشها المزابيون في ذلك الوقت ، إذ كانت بلادهم تقع في منطقة جيرانها لا يُـؤتمنون ، إذ كانوا لا يعتمدون سوى على النهب و السلب في حياتهم ، و قد فصّل الشيخ علي يحيى معمر في هذا الموضوع في كتابه : الإباضية في موكب التاريخ .
في أعلى تلك الربوة ، يتوضع المسجد ، و اختيار المِـزابيين هذا الموقع لإقامة المسجد لدليل على أهميته لهم ، إذ يشكل النواة المركزية و الروحية للقصر ، نظرا لوظائفه المتعددة ، فهو بجانب وظيفته الدينية ، يلعب دور قاعة الإجتماعات الهامة و المركز العلمي للمدينة و مخزن المؤن ، و المركز الدفاعي للمدينة ، إذ نجده في المدن المزابية محصنا و يصعب الوصول إليه ، و يعتبر مسجد آت بونور من أحصن المساجد المزابية .
بجانب المسجد ، تتدرج المساكن متلاصقة متلاحمة لا يعلو واحد على آخر على امتداد الربوة ، حتى تنتهي بمجموعة أبراج دفاعية و سور مُـحصّـن يحيط بكامل المدينة .
غالبا ما كان السور يتكون من ظهور منازل لا تفتح أبوابها إلا إلى الداخل ، أما في الإمتدادات الأخيرة للمدن المزابية ، أصبح بعضها يتمتع بأسوار مستقلة عن المنازل ، بينها و بين هذه الأسوار شارع عريض ، و يكون السور عادة سميكا من الأسفل و يتناقص هذا السمك كلما علا السور .
ذلك هو الحال بالنسبة لآت ايزجن ، المدينة المِـزابية الوحيدة التي لازالت تحافظ على سورها كاملا ، حيث يبلغ طوله : 2500 متر ، و ارتفاعه حوالي 3 أمتار ، يختلف ارتفاع السور حسب موقعه ، حيث يكون مرتفعا في المنطقة المستوية أسفل الهضبة ، بينما يقل ارتفاعه في المناطق الشديدة الإنحدار منها ، و يتخلل السور فتحات للرماية ضيقة من الخارج و واسعة من الداخل ، حتى يتسنى لأهل القصر النظر إلى الخارج ، بينما يصعب للغرباء التجسس إلى الداخل .
أما الأزقة ، فهي عادة ذات ثلاثة أذرع عرضا ، روعي في عرضها أقل ما يكفي لتلاقي دابتين ، و لتمرير جنازة ، كما روعي في تخطيطها مقاومة الرياح و الزوابع الرملية ، و التقليل من مدة اشعاع الشمس أيام الحر ، و الإعتدال في انحدارها بحيث يمكن للسكان استعمال الدواب للتنقل و النقل . كما نلاحظ تسقيف بعض الطرقات ، وهذا لأهداف دفاعية ، منها أن العدو الراكب ، إذا تمكن من دخول المدينة ، فإنه لا يستطيع الوصول إلى المسجد ، قلبها و مركز قيادتها ، و مستودع الذخيرة و المؤن ، كما أن هذه التسقيفات ، تمكّن أهل المدينة من التنقل على السطوح من حي إلى حي ، دون اللجوء إلى الأزقة . و ربما كان الداعي لهذه التسقيفات
كذلك ، الحصول على المزيد من الظل صيفا ، و الوقاية من الرياح و الزوابع الرملية .
و هناك بعض الشوارع أكثر عرضا من غيرها، مزودة بمقاعد مبنية ، كانت قديما أسواقا للمدينة ، حيث أن المدن المزابية مرت بمجموعة من التوسعات على مدى تاريخها ، فرضها التزايد الديمغرافي للمدن ، و كان المزابيون في كل توسعة ينشئون سوقا و سورا و أبراجا جديدة للمدينة . و من أول اهتمامات المنشئين للمدينة كذلك ، حفر البئر العمومية ، التي لا يمكن تصور الحياة بدونها ، ثم تتلو هذه البئر آبار أخرى كلما امتد العمران . و الجدير بالذكر أن عملية الحفر هذه ليست بسهلة ، إذ تتم في الصخر ( في جميع المدن باستثناء تيـﭭْـرار ) ، و على عمق قد يزيد على سبعين مترا ، و بالوسائل التقليدية . يراعى في مساجد مْـزاب البساطة و التقشف و الإبتعاد عن كل ما قد يشغل المصلي عن الخشوع في عبادته ، حتى المحراب فإنه خال من أي زخرفة ، حتى في المساجد المبنية حديثا ، و هذا التزاما بتعاليم الشرع الإسلامي . و من أهم مميزات المسجد المزابي ، المئذنة ، التي يتخذها المزابيون عادة رمزا لهم نظرا لتميزها ، و قد اختارتها الشبكة المزابية رمزا كذلك . إن المئذنة المزابية من أهم ابداعات المهندس المزابي ن و قد استطاع أن يصدر شكلها إلى عدة مناطق في الشمال الإفريقي ، حتى المناطق الشمالية للنيجر و مالي . تنتصب المئذنة على شكل هرمي مقطوع ذي قاعدة مربعة ، على سبيل المثال فإن مئذنة تغردايت بها 122 درجة ، علوها 22 مترا، عرض قاعدتها 6 أمتار ، و عرض أعلاها متران ، سمك جدرانها يتناقص من متر واحد إلى 30 سم . بجانب المسجد تقع الميضأة و محاضر تعليم الصبيان ، و فوقه المخازن و السطح و مقر اجتماعات العزابة الذي يسمى تامنايت . تختلف مساحة و أهمية السطح من مدينة لأخرى ، حيث يعتبر سطح مسجد تيـﭭْـرار من أوسعها ، مما أكسبه أهمية و وظائف أكثر ، حيث يستقبل جموع المصلين في الأيام الصيفية الحارة ، في صلوات الفجر و المغرب و العشاء .
أما السوق ، فقد زادت مساحتها لتصبح ساحة واسعة ، بعد أن كانت شارعا في الأنسجة المبدئية للمدن المزابية ، كما تطورت وظيفتها الإجتماعية ، إذ كانت أول الأمر مكانا لتبادل المنتجات بين أهل المدينة ، و بينهم و بين قوافل البدو التي تقصد التجمعات السكنية للتجارة ، ثم أصبحت بعد ذلك تؤدي وظيفة اجتماعية أساسية ، إذ هي المكان العمومي الوحيد بعد المسجد ، الذي يمكن لأهل البلدة أن يجتمعوا فيه ، و يتبادلوا الأخبار ، و يتفقدوا أحوالهم يوميا ، و يستريحوا من تعب العمل ، بالإضافة إلى ممارستهم البيع و الشراء .
تختلف أشكال مساحات الأسواق ، فإذا كانت سوق آت ايزجن غير منتظمة الشكل تحيط بها مقاعد مبنية ، فإن سوق تغردايت مستطيلة تحيط بها 98 قوسا متفاوتة الأبعاد ، طولها 75 مترا ، و عرضها 44 مترا .
2: المنزل: هو العنصر الثاني في العمارة المزابية ، و هو العنصر الذي يظهر فيه خضوع المعمار المزابي بشكل كامل للتعاليم الإسلامية السّمحة ، و هذا ما سنوضحه في هذه الصفحة ، حيث سنوضح خصائص المسكن المزابي التقليدي بصفة عامة دون تفصيل .
المنازل المزابية التقليدية كثيرة التشابه ، مساحتها لا تتجاوز 100 متر مربع عادة ، تشتمل على طابقين و سطح ، و طابق تحت أرضي .
أول ما يُـلاحظ عند مدخل المنزل هو العتبة ، و هي درجة صخرية متوضعة عند مدخل المنزل قبل الباب ، يبلغ ارتفاعها حوالي عشرة سنتيمترات ، هذه العتبة تقي الدار من دخول الأتربة الرملية ، و مياه الأمطار ، و الحشرات الضارة و خروج الهواء البارد أيام الحر الشديد .
يبقى باب المدخل عادة مفتوحا طول النهار ، إلا أن المار في الشارع لا يستطيع مع ذلك رؤية ما بداخل الدار ، نظرا لتصميم المدخل الذي هو عبارة عن رواق صغير ينتهي بحائط مقابل ، ليُـكَوّن المدخل إلى وسط الدار منعرجا .
عند تجاوز المدخل الثاني تجد نفسك في رواق يسمى سقيفة ، به مقعد حجري منخفض بني للجلوس أمام المنسج صيفا ، و رحى تثبت في أحد زواياه لطحن الحبوب ، و الجدير بالذكر أن المنزل المزابي لا يحتوي على أثاث عادة ، حيث يكون أثاث البيت مبنيا .
من هذا الرواق تنقل مباشرة إلى وسط الدار المضاء بواسطة فتحة ( شـبّاك ) تصل الطابق الأرضي بالطابق الأول ( السطحي ) ، منها تنزل أشعة لشمس و يجدد الهواء ، و تعتبر هذه الفتحة بديلا عن النوافذ ، إذ أن المسكن المزابي يعتمد على الإضاءة العلوية ، و نادرا ما يحتوي على نوافذ ، و إن وُجدت ففي الطابق السطحي ، و تكون عبارة عن فتحة صغيرة في الحائط .
تُصَمـّم فتحات التهوية و الإضاءة بطريقة تجعل الساكن يستفيد لأطول وقت ممكن من أشعة الشمس ، خاصة شتاءًا .
تعتبر غرفة استقبال النساء " تيزفْري " أنسب موقع للجلوس حول وسط الدار ، هذه القاعة التي لا تكاد تخلو منها دار مزابية ، هي عبارة عن غرفة لها مدخل عريض نوعا ما ، لكنه بدون باب ، متجه نحو القبلة أو نحو المغرب للإستفادة أكثر من الضوء الطبيعي ، غدوا و أصيلا .
هذه القاعة لها دوران رئيسيان : أولهما إقامة المنسج الذي تصنع به الفرش و الملابس الصوفية ، ثانيهما أنها غرفة الأكل و سمر العائلة و استقبال النساء .
المطبخ فضاء صغير مفتوح على أحد جوانب وسط الدار ، و لا تكون له غرفة مخصصة عادة ، و يتكون من موقد حجري متصل بفتحة تهوية إلى السطح ، و تعلوه رفوف و أوتاد و بعض الكوات التي تستعمل لوضع لوازم و أواني الطبخ .
و يكون المطبخ ضمن وسط الدار بحيث لا تحس الجالسة أمام الموقد أنها في معزل عن باقي نساء الدار .
في إحدى جوانب وسط الدار ، يقع مدخل غرفة النوم الخاصة بربة البيت ، و بجانبه تقع عادة طاولة مبنية تحتها أواني الماء العذب و ماء الغسل .
بجانب مدخل وسط الدار ، نجد مطهرة و مرحاضا إلى جانبه مكان لربط المعزة التي تستر ما تبقى من فضلات الطعام ، و تجود بما تيسر من الحليب .
هذه المعزة كانت تنطلق كل صباح ( إلى وقت غير بعيد ) إلى حيث تتجمع فيه مع قطيع البلدة ، أين ينتظرها الراعي ، يخرج به في الشعب القريبة ، ليعود به بعد العصر إلى مدخل البلدة ، أين يفترق و تتجه كل معزة إلى دارها ، معتمدة على ذاكرتها التي لاتخطئ عادة .
هذا فيما يخص الطابق الأرضي ، و هو مخصص لاستقبال النساء نهارا عادة ، أما الطابق الأول ، و هو الطابق السطحي ، فيصعد إليه من مدخلين : الأول من أدراج تنطلق من وسط الدار تقع بجانبها عادة غرفة صغيرة لحفظ المؤونة و الأغذية ، و الثاني عن طريق حجرة صغيرة داخلها أدراج تقود إلى قاعة استقبال الضيوف الخاصة بالرجال في الطابق الأول ، هذه الأدراج المستقلة عن وسط الدار تجعل حركة الرجال ممكنة من الطابق الأول إلى الخارج بدون إحراج النساء غير المحارم .
بقاعة الإستقبال المسماة " لَعْلِي " أو " ادْوِيـريتْ " نافذة متوسطة الحجم نلاحظها من الشارع فوق باب الدار .
تحيط بالطابق الأول من بعض جوانبه غرف للنوم ، علاوة على غرفة الإستقبال الخاصة بالرجال التي لها باب إلى وسط هذا الطابق .
الباقي من هذا الطابق فضاء نصفه مسقف و نصفه مفتوح إلى السماء ، يفصل بينهما عدد من الأقواس . النصف المسقف يسمى "إيكومار".
النصف المفتوح يحتوي بأحد زواياه على الفتحة المطلة على الطابق الأرضي ، و تكون محاطة بعتبة صخرية تتوسطها قضبان معدنية ، و لها نفس فوائد عتبة مدخل الدار .
الجزء المسقف " إيكومار " يحمل مع الغرف السطح الذي تقضي فيه الأسرة ليالي الصيف ، و تخزن في جانب منه الحطب اللازم للطبخ و التدفئة .
بالطابق الأول كذلك مرحاض إلى جانبه مغسل ، كما أن به مطبخا لمناسبات الأعراس و المآتم و ما أشبهها .
أما الطابق التحت أرضي المسمى بـ " الدّهليز " فالأدراج المؤدية إليه تكون من مدخل الدار ، و هو مكان مكيّف طبيعيا ، حيث يكون باردا صيفا ، و دافئا شتاءا ، و يستعمل كمكان للنوم عادة .
يستعمل المِزابيون في بنائهم الأقواس ، و تحتوي الأقواس غالبا على كوات صغيرة ، تفيد كحوامل أو رفوف لوضع الآلات المضرة للصبيان و غيرها .
لا تزال معظم المنازل الواقعة خلف سور المدينة المِـزابية محتفظة بنفس الطراز القديم السابق ذكره إلى الآن ، سوى بعض التعديلات البسيطة التي أدخلت عليها حديثا ، كالبلاط ، و الكهرباء و الغاز ، بينما تحتفظ البيوت الحديثة بأساسيات الطراز المعماري التقليدي إلى حد بعيد .
هناك قواعد عامة و موانع في الفن المعماري المزابي أصدرها مجلس عمي سعيد (قديما) يلتزم بها كافة السكان منها :
- أن علو الدار لا يفوق 15 ذراعا .
- لا يسمح بإقامة الجدار على حدود السطح من الناحية الشرقية أو الغربية له كي لا يحرم الجار من ضوء الشمس ضحى و عشية .
- لا يجوز إسناد الدرج إلى جدار الجار إلا بإذنه ، و كذا المستراح أو مرابط الدابة إلا إذا سبق أحدهما الآخر ، فلا حق للجار الجديد أن يلزم جاره بتغيير الوضعية السابقة .
- لا يحدث أحد نافذة مهما كانت مساحتها إلا برخصة من الجيران ليحددوا له المكان الذي يمكن أن يحدث فيه هذه النافذة أو الكوة .
- في كل مدينة يعيَّن أمينان في عرف البناء ، إليهما ترفع الشكايات فيما يتعلق بالبناء .
إن الوصف السابق ينطبق على الدار الكاملة التي مساحتها نحو 100 متر مربع تقريبا . هناك عدد كبير من المنازل أقل اتساعا ، و تسمى بنصف دار ، مساحتها نحو 50 مترا مربعا .
إن بني مْزاب لم يشيدوا منزلا في أي مدينة من مدنهم ، إلا و رئيس جماعة البلدة لا يمتاز عن سواه لا في ملبسه و لا في مأكله و لا في سكناه ، و إن اتسعت داره فلكثرة عياله ، و هذا يدل ثانية على الروح الإسلامية التي أثرت على المزابيين في جميع جوانب حياتهم .